الذكاء مميز

العقل الذكي يرى الحل حيث يرى الاخرون المستحيل.

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

اكتب اي تعليق

ساعة حوار | حماس تبلغ أميركا بموافقتها على تسليم سلاحها

 

سطران يحددان المعركة

عندما نقول إن «حماس قبلت تسع بنود»، علينا أن نتذكر أمورًا أساسية: أولاً، قبول البنود ليس بالضرورة تنفيذًا فورياً أو تنازلاً نهائيًا. ثانياً، الملف معقَّد سياسياً، عسكرياً وإقليمياً؛ أي تغيُّر في وضعية حماس يترتب عليه توازن جديد على الأرض، في لبنان، في الضفة، وفي المحور الإقليمي. ثالثاً، الجمهور الفلسطيني والبيئة الإقليمية والعالمية كلها عناصر يمكن أن تسرّع أو تبطئ أي عملية انتقالية.


الفصل الأول — قراءة بنيوية في «القبول الجزئي»

لماذا قد تقبل حماس ببنود ولا تقبل الأخرى؟

  1. المعادلة الواقعية: الحركة خرجت من جولة عنيفة أوقعَت في صفوفها خسائر فادحة. قبول بنود معينة يعني نيل فترة هدنة وتخفيف القصف والضغط الحياتي على السكان، وهو ما يُسجَّل كنجاح مؤقت في الميزان الشعبي الداخلي.

  2. الشرط الزمني: قبول البند الآن لا يعني تسليم كل ما يُطلب فوراً؛ بل فتح نافذة زمنية للتفاوض على البنود الصعبة — وبخاصة ما يتعلق بالسلاح والقيادات.

  3. السياسة بالحد الأدنى: هناك فرق بين «الموافقة على صياغة» و«التزام عملي». حماس قد تقبل بنوداً إجرائية أو إنسانية (وقف إطلاق نار، فتح معابر، إدخال مساعدات) وتؤجل البنود التي تمسّ قدراتها العسكرية إلى وقت لاحق.

ماذا يعني «تسليم السلاح» عملياً؟

  • هناك درجات للسلاح: رشاشات خفيفة، قذائف RPG، صواريخ قصيرة المدى، وصواريخ بعيدة المدى (قد تهدد العمق الإسرائيلي). كلما تصاعدت خطورة السلاح وعمقه الجغرافي، كانت المطالبة بتسليمه أعظم وقعاً على قدرة الحركة العسكرية.

  • في تفاهمات مشابهة (سجلها التاريخ في صراعات أخرى)، كثيراً ما تُطلب «تفكيك قدرات هجومية محددة» وترك «أسلحة خفيفة للدفاع المحلي» — وما يختلف هنا هو من يراقب، وكيف تُخزن، ومن يملك آلية الضمان.


الفصل الثاني — قراءة دوافعية: لماذا قد تقبل حماس الآن؟

1. إنقاذ ما يمكن إنقاذه

بعد موجة دمار واسعة، قد ترى حماس أن بقاء السكان وحماية ما تبقى من البنية التحتية أولوية قصوى. القبول الجزئي يحقق وقفاً فورياً للهجوم ويمنح مجالاً للعمل الإنساني.

2. إعادة التموضع السياسي

حماس قد تسعى لإعادة ترتيب حضورها السياسي: قبول بعض البنود قد يفتح لها مساحة للعودة لجسم فلسطيني موحد أو مفاوضات ذات طابع إداري (مثل إدارة القطاع عبر لجنة فلسطينية)، مع الحفاظ على قنوات اتصال خارجيّة لحماية قواعدها.

3. كسب وقت: «المناورة» كاستراتيجية

كما قلنا، القبول ليس بالضرورة استسلامًا. إن كسب الوقت يُتيح للحركة إعادة تجميع القوى، مراجعة شبكات الإمداد، أو حتى العمل على خلق توازن دولي جديد — خصوصاً إن تدخل أطراف إقليمية لضمان تفاهمات تحفظ مكانها.


الفصل الثالث — مقارنة مع نماذج أخرى: حزب الله أنموذجاً أم استثناء؟

يتكرر في الخطاب السياسي والمقابلات التشبيه بين «دور حماس» و«دور حزب الله». سؤال مركزي: هل يمكن أن تتطور العلاقة إلى نموذج مشابه لحزب الله — بمعنى احتفاظ شبه دائم بسلاح قوي داخل دولة تكون مؤسساتها الرسمية قائمة؟

أوجه الشبه:

  • كل منهما ظهر كقوة مقاومة وامتد كوجود اجتماعي وسياسي.

  • احتفاظه بسلاح جعل له قدرة على الحضور الإقليمي والتأثير في صياغة سياسات الدولة الرسمية.

أوجه الاختلاف:

  • حزب الله في لبنان نجح عبر سنوات طويلة من البناء السياسي والمؤسساتي داخل نظام طائفي هش. حماس، بالمقابل، تحكم قطاعًا محاصرًا منذ سنوات، تحدياته الإنمائية والسياسية أكبر، وإمكانية أن يصبح لاعبًا «شبيهًا بحزب الله» تواجهه قيود تتعلق باللوحة الجغرافية والديموغرافية والميكانيكيات الإقليمية.

  • البيئة الدولية تغيرت: قدرة أي ميلشيا على البقاء كسلاح مستقل داخل حدود دولة ذات سيادة تتطلّب تسويات إقليمية ودولية معقدة وغير مضمونة.

الخلاصة: التشبيه مفيد لشرح الفكرة العامة، لكنه لا يثبت بالضرورة خريطة طريق عملية لحماس، لأن «السياق» مختلف عمليًا.


الفصل الرابع — بنود الاتفاق: ما الذي يُقرّب/يفاوت؟

لننظر إلى أنواع البنود المحتملة في أي خطة تبدو شاملة — واستجابة حماس لكل نوع:

  1. إجراءات إنسانية: فتح المعابر، إدخال مساعدات، السماح بإعادة الإعمار — تميل حماس إلى قبولها سريعًا لأنها ترد مباشرة على معاناة السكان.

  2. وقف إطلاق النار: مطلوب من الطرفين. حماس تقبل لإنقاذ السكان، إسرائيل تقبل للحد من الخسائر السياسية والدولية. لكن الثبات على الاتفاق هو المشكلة.

  3. الانسحاب/الرتبة الإدارية للقطاع: بنود مثل إدارة قطاع غزة عبر لجنة فلسطينية أو دولية تمسّ السيادة والوجود؛ حماس قد تتفاوض عليها إذا حصلت على ضمانات تحفظ قُطَبها القياديّ.

  4. تسليم السلاح: المادة المحورية. أي اتفاقية تستبدل الخيار العسكري ببنود سياسية واقتصادية وشروط ضمان. هذا هو المجال الأشد تعقيدًا.

  5. الملاحقات القضائية والضمانات الأمنية: هل ستمنح الحصانة لبعض القادة؟ هل ستضمن لهم دولٌ رعايةً خارجية؟ هذه الأمور حاسمة لقرار القيادات.


الفصل الخامس — الأطراف الخارجية: من يملك مفتاح التنفيذ؟

الولايات المتحدة

  • دورها مركزي: هي التي طرحت النسخة وتملك أدوات الضغط السياسي والدبلوماسي. إن التزام واشنطن بتقديم ضمانات (دبلوماسية، اقتصادية، أمنية) أمر حاسم. لكن الانخراط الأمريكي يخضعُ أيضاً للمزايدات الداخلية والسياسات الانتخابية.

مصر

  • بوصفها تملك حدود رفح، ولها ثقل في القاهرة مع الفصائل، فهي جزء أساسي من أي آلية تنفيذ أو ترميم. أي تسليم سلاح أو إدارة جديدة للقطاع سيتطلب تعاونًا مصريًا عميقًا.

قطر وتركيا وإيران

  • قطر لعبت دور الوسيط مرارًا، وتتحكّم في بوصلات مالية وسياسية مع حماس. تركيا تُحاول الحفاظ على دور، وإيران في الخلفية — دعمها لحركات المقاومة عامل مُوازن. أي «صفقة» تحتاج إلى غضّ طرف هؤلاء أو توافقهم.

إسرائيل

  • حكومة نتنياهو واليمين المتطرّف يملكان دوافع للضغط العسكري أو رفض تسويات تُعتبر «ضعفًا». طبيعي أن تصطدم الضغوط الإسرائيلية مع الضغوط الأمريكية على إسرائيل لتحقيق هدنة دائمة.


الفصل السادس — السيناريوهات المتوقعة: من الأسوأ إلى الأفضل

السيناريو الأول: اتفاق مؤقت – هدنة طويلة ومفاوضات مطوّلة

  • تفاصيل: حماس تقبل بنود إنسانية وتوافق مبدئيًا على آليات لإدارة معينة، لكن تظل النقطة العسكرية رمزية، وتبقى مخازن أسلحة معينة غير محلولة.

  • النتيجة: تهدئة طويلة، إعادة إعمار جزئية، تخفيف معاناة. لكن الخطر: تجدد العنف لاحقًا إذا فشلت الإصلاحات أو استأنفت إسرائيل عمليات ميدانية.

السيناريو الثاني: اتفاق «نزع سلاح» فعلي تحت رقابة دولية/فلسطينية

  • تفاصيل: توافق حماس على نقل جزء من الأسلحة إلى جهة محايدة (مصرية/فلسطينية) مع آلية تحقق دولية. قد تتضمن ضمانات أمنية وحماية للقيادات.

  • النتيجة: احتمال استعادة سلطة مدنية موحدة في غزة وربط القطاع بسير عمليات إعادة إعمار واسعة. لكن العقبة الكبيرة: كيف يُطبّق التسليم عمليًا؟ ومن يثق بأن الأسلحة ستبقى خارج التداول؟

السيناريو الثالث: فشل المفاوضات وتجدد الاقتتال على نطاق أوسع

  • تفاصيل: استغلال أي خلل أو تباطؤ يؤدي لتصعيد إسرائيلي جديد. حماس ترفض الخضوع الكامل فتسعى لاستعادة مزاياها العسكرية بالقوة.

  • النتيجة: مزيد من الدمار، تعطيل القضية الفلسطينية داخليًا وخارجيًا، وتدهور موقف الفصائل.

السيناريو الرابع: تحول استراتيجي داخل حماس (سياسيٌّ أكثر)

  • تفاصيل: جزء من قيادات حماس يقبل إعادة تعريف الدور بالتحول إلى حزب سياسي له جناح دفاعي «مقنن» داخل منظومة فلسطينية موحدة.

  • النتيجة: تحوّل تاريخي — لكن يحتاج لسنين، وضمانات إقليمية ودولية فعّالة.


الفصل السابع — ما الذي سيكسبه أو يخسره كل طرف؟

حماس

  • مكاسب محتملة: وقف فوري لإراقة الدماء، فرصة لإعادة إعمار، استعادة شعبية جزئية إن نجحت في حماية الناس.

  • خسائر محتملة: فقدان «سلاح» الردع، تآكل قدرة التحكم السياسي والعسكري داخل القطاع، فقدان جزء من التأييد الداخلي إذا اعتُبرت «تخليًا» عن المقاومة.

إسرائيل

  • مكاسب: استقرار حدودي وتقليل «التهديدات» قصيرة المدى.

  • خسائر: إذا لم يتأكد من نزع القدرات الكيماوية للعسكرة، قد تستمر حالة القلق الأمني. كما أن أي خروج جماعي من السكان أو تغيّر ديموغرافي سيخلق تبعات إنسانية وقانونية.

الولايات المتحدة والجهات الضامنة

  • مكاسب: إنجاز دبلوماسي يُبرز قدرة واشنطن (أو أي ضامن) على «حلّ» أزمات طويلة.

  • خسائر: إذا فشلت الضمانات في منع عودة السلاح، تتبدد مصداقية الضامن.

الشعب الفلسطيني

  • مكاسب: وقف للقتال وإمكانية إعادة إعمار وتحسين ظروف معيشية.

  • خسائر: السلام دون حقوق سياسية حقيقية أو دولة مستقلة يضع القضية في مأزق طويل الأمد.


الفصل الثامن — متاهة الشرعية والتمثيل: هل تقبل المنظمة بالعودة ومعهم؟

سؤال بارز: إن قبلت حماس بتسليم سلاحها أو بالاندماج تحت إطار إدارة فلسطينية، فهل تعود إلى «المنظمة»؟ وهل يقبلها محمود عباس ومن يمثلون «المشروع الوطني»؟

  • قد يبدي عباس ترحيبًا مشروطًا إن دعّم هذا عودة السلطة والحقوق الفلسطينية، لكن الخلافات السابقة بين فتح وحماس (سياسيًا وإدارياً) تجعل الطريق محفوفًا بالاحتكاكات.

  • شروط الدمج ستكون قاسية: مسألة الأمن، تحويل الميليشيات إلى مؤسسات أمنية موحدة، اعتراف متبادل بالشرعية. كلها قضايا تحتاج حوارًا سياسيًا داخليًا طويلاً.

  • عمليًا، النتيجة المرجوة من قبل كثيرين هي «توحيد فلسطيني» ينجح في إدارة غزة والضفة معًا بصيغة توافقية. لكن الوصول لهذا المبتغى يتجاوز مجرد تواقيع على وثيقة.


الفصل التاسع — المؤثرات الإقليمية: من إيران إلى مصر وتركيا وقطر

  • إيران: قد تُصعِّب أي اتفاق يضعف قدرة محورها في المنطقة؛ أو قد تتكيف لئلا تفقد ورقة تأثيرها.

  • مصر: لاعب محوري؛ قد تفضّل تسوية تحفظ أمن حدودها مع غزة، وحل الأزمة الإغاثية.

  • قطر وتركيا: وسيطان مؤثران؛ يملكان قدرة مالية وسياسية على تحقيق توازنات أو تقديم ضمانات.

  • دول الخليج: مواقفها قد تكون مشروطة بتحسينات سياسية، لكنها أيضاً قد تساهم بتمويل إعادة الإعمار.


الفصل العاشر — الخلاصة: هل انتهى دور حماس؟

لا يمكن الإجابة بنعم/لا قطعيين. الواقع أكثر تعقيدًا:

  1. على المدى القصير: قبول حماس جزئيًا يعني تهدئة ممكنة وإمكانية تقليل الوتيرة العسكرية. هذا لا يساوي نهاية دورها على الفور.

  2. على المدى المتوسط: إذا فُسّرت البنود وتطبيقها عبر آليات رقابية فعّالة، فقد ينخفض دورها العسكري تدريجيًا، لكن انتهاءه الكامل يحتاج تسويات سياسية عميقة وإعادة بناء مؤسسي.

  3. على المدى الطويل: نهايته أو بقاؤه يتوقفان على مسار القضية الفلسطينية ككل: هل تتحقق حلول سياسية عادلة أم أن الضغوط العسكرية والسياسة الدولية تُفقد المشروع الفلسطيني زخمه؟

باختصار: قَبُولٌ جزئي لا يعني تسليمًا نهائيًا؛ بل هو بند في معركة تفاوضية أكبر قد تطول، وفيها الأدوات: الضمانات الخارجية، آليات التنفيذ، التوازن الداخلي، ومستوى الضغط الإسرائيلي — كل ذلك يحدد إن كانت هذه الخطوة بداية نهاية دور حماس كقوة مسلحة أو باب لإعادة تشكيلها في مشهد فلسطيني جديد.


بين الواقعية السياسية والأمل الإنساني

في نهاية المطاف، يبقى السؤال الذي يهم الناس على الأرض: هل سينقذ هذا الاتفاق حياة الناس في القطاع؟ هل سيُعيد الأطفال إلى مدارسهم؟ هل سيُعيد الطمأنينة إلى البيوت؟ هذه الأسئلة اليومية هي التي تقيس نجاح أي صفقة أكثر من أي تحليل استراتيجي.

قد تقبل حركة ما ببند هنا أو هناك، وتراهن على الوقت والمناورة، لكن ما يهم المواطن البسيط هو: عودة المياه والكهرباء والمدارس والوظائف. إن استطاع التفاوض أن يمنح هذا — ولو جزئياً — فسيُحسب له ذلك. وإن لم يستطع، فحتى «قبول البنود» سيكون ورقاً لا يُغني ولا يسمن من جوع.

التحولات الكبرى في المنطقة لا تُصنع بقرارات لحظية، بل بتوافقات جسيمة وتضحيات متبادلة — وهذه العملية تَحتاج وقتًا وصبرًا وسخاءً سياسياً من كل الفاعلين.
وهنا تكمن الحقيقة: لا أحد يُريد استمرار المأساة، لكن مواصلة المسار الصحيح تتوقف على قدرة الأطراف على تحويل اتفاقات الكلمات إلى مؤسسات تراقب وتنفّذ وتضمن العدالة والكرامة للناس.

عن الكاتب

مهند

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الذكاء مميز