تعرف على ماهية الانترنت, من أين يأتي الانترنت؟ لمن تعود ملكية الانترنت؟ كيف بدأ الانترنت؟

 هل تساءلت يومًا: ما هو الإنترنت حقًا؟ من أين يأتي؟ كيف يمكن أن نضغط زرًا على هاتف صغير فنجد أنفسنا أمام بحر لا ينتهي من المعلومات والصور والفيديوهات؟ هل الإنترنت مجرد إشارات سحرية في الهواء، أم أنه عالم مادي ضخم يقوم على كابلات حديدية ومراكز بيانات هائلة؟

الإنترنت ليس مجرد أداة تقنية، بل هو قصة ممتدة عبر عقود، بدأت من فكرة صغيرة في مختبرات عسكرية بالستينات، وتحولت إلى شبكة عالمية تربط مليارات البشر في القرن الحادي والعشرين. في هذا المقال المطوّل، سنأخذك في رحلة عبر الزمن لفهم الإنترنت: كيف بدأ، كيف يعمل، من يملكه، كيف يؤثر في حياتنا اليومية، وما الذي يحمله المستقبل له.

الفصل الأول: ما هو الإنترنت؟

الإنترنت كلمة تتكرر يوميًا على ألسنة الناس، لكن قليلًا منهم يعرفون تعريفها الدقيق. ببساطة، الإنترنت هو شبكة شبكات. أي أنه ليس شبكة واحدة فقط، بل مجموعة هائلة من الشبكات الصغيرة المترابطة التي تتواصل فيما بينها باستخدام بروتوكولات محددة.

الاسم "إنترنت" (Internet) هو اختصار لعبارة Interconnected Networks أي "الشبكات المترابطة". وهذه الشبكات تتكون من أجهزة كمبيوتر، هواتف، خوادم (Servers)، كابلات ألياف ضوئية، أقمار صناعية، مراكز بيانات، وأجهزة توجيه (Routers) وغيرها من المعدات.

لو أردنا تشبيه الإنترنت بشيء مألوف، يمكن أن نعتبره مثل شبكة الطرق:

• المدن = أجهزة الكمبيوتر أو مراكز البيانات.

• الطرق = الكابلات التي تربط الأجهزة.

• السيارات = البيانات (الصور، النصوص، الفيديوهات).

• إشارات المرور = البروتوكولات التي تنظم عملية السير.

بهذا الشكل، كل معلومة نرسلها عبر الإنترنت هي سيارة تسلك طريقًا معينًا لتصل إلى مدينة أخرى، أي إلى جهاز آخر.

---

الفصل الثاني: كيف بدأ الإنترنت؟ (القصة التاريخية)

1. الجذور في الحرب الباردة

القصة تعود إلى ستينات القرن الماضي، حين كانت الولايات المتحدة في قلب الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي. كانت هناك مخاوف كبيرة من هجوم نووي يقطع الاتصالات بين المراكز العسكرية والجامعات. لذلك فكّر الباحثون الأمريكيون في إنشاء شبكة اتصالات لامركزية، بحيث إذا دُمّر مركز معين، تظل الشبكة تعمل من خلال مراكز أخرى.

2. مشروع ARPANET

عام 1969، أطلقت وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة (ARPA) أول شبكة حواسيب سُمّيت ARPANET. البداية كانت متواضعة: أربعة حواسيب فقط في جامعات أمريكية مختلفة تم ربطها بكابلات. الهدف كان تبادل الملفات والرسائل بين هذه الأجهزة.

في أكتوبر 1969، جرت أول تجربة لإرسال رسالة بين كمبيوترين في جامعة كاليفورنيا ومعهد ستانفورد. الرسالة كانت كلمة LOGIN، لكن النظام انهار بعد إرسال حرفين فقط "LO". ومع ذلك، كانت تلك اللحظة هي الولادة الفعلية للإنترنت.

3. من شبكة صغيرة إلى عالمية

مع مرور الوقت، توسعت ARPANET لتشمل المزيد من الجامعات والمختبرات. وفي السبعينات، قام العالمان فينت سيرف وبوب كان بابتكار بروتوكول جديد هو TCP/IP (بروتوكول التحكم في الإرسال/بروتوكول الإنترنت)، وهو النظام الذي لا يزال يُستخدم حتى اليوم لإدارة حركة البيانات عبر الإنترنت.

في الثمانينات، بدأ الإنترنت يخرج من الإطار العسكري والأكاديمي إلى الاستخدام المدني. وظهرت شبكات أخرى ارتبطت ببعضها، ليظهر لأول مرة مفهوم "شبكة الشبكات"، أي الإنترنت الحديث.

4. ظهور الويب (WWW)

رغم وجود الإنترنت في الثمانينات، لم يكن سهل الاستخدام لعامة الناس. كان يحتاج إلى أوامر معقدة وأجهزة متخصصة. لكن في عام 1989، قدّم العالم البريطاني تيم بيرنرز لي فكرة "الشبكة العنكبوتية العالمية" (World Wide Web).

ابتكر بيرنرز لي:

• HTML: لغة لإنشاء صفحات الويب.

• HTTP: بروتوكول لنقل الصفحات.

• URL: عناوين المواقع.

وبفضل هذه الابتكارات، صار الإنترنت مكانًا يمكن لأي شخص زيارته عبر المتصفحات. ومن هنا بدأ الانفجار الحقيقي للإنترنت في التسعينات.

الفصل الثالث: كيف يعمل الإنترنت اليوم؟

1. مراكز البيانات (Data Centers)

كل ما نراه على الإنترنت موجود في أماكن مادية تسمى مراكز البيانات. هذه المراكز هي مبانٍ ضخمة مليئة بالخوادم (سيرفرات)، وهي حواسيب قوية تخزن المواقع، التطبيقات، مقاطع الفيديو، الصور، وكل أنواع البيانات.

شركات مثل جوجل، أمازون، مايكروسوفت، ميتا تمتلك آلاف مراكز البيانات موزعة حول العالم. الهدف هو تقليل المسافة بين المستخدم والخادم، لأن قرب الخادم يعني سرعة أكبر.

2. الكابلات البحرية

أغلب البيانات التي تنتقل بين القارات لا تتم عبر الأقمار الصناعية كما يظن البعض، بل عبر كابلات ألياف ضوئية مدفونة تحت قاع المحيطات. هذه الكابلات يمكن أن تمتد لعشرات الآلاف من الكيلومترات، وتنقل المعلومات بسرعة الضوء تقريبًا.

حاليًا هناك أكثر من ١.٤ مليون كيلومتر من الكابلات البحرية تربط بين القارات.

3. عملية الاتصال خطوة بخطوة

عندما تفتح موقعًا مثل "google.com":

1. جهازك يرسل طلبًا عبر الراوتر.

2. الراوتر يوجه الطلب إلى شركة الإنترنت (ISP).

3. إذا لم تجد الشركة البيانات في مخزونها المؤقت (Cache)، تطلبها من خادم جوجل.

4. البيانات تعود عبر نفس المسار خلال أجزاء من الثانية.

4. البروتوكولات

لكي تعمل الشبكة بسلاسة، هناك بروتوكولات (قوانين) تنظم حركة المرور مثل:

• TCP/IP: الأساس لكل الاتصالات.

• DNS: نظام ترجمة أسماء المواقع إلى أرقام (IP).

• HTTPS: بروتوكول آمن للتصفح.

---

الفصل الرابع: الإنترنت في حياتنا اليومية

لا يمكن تخيل عالم اليوم بدون الإنترنت. دوره يتجاوز مجرد تصفح مواقع:

• التعليم: الجامعات الإلكترونية، الدروس عبر يوتيوب، المكتبات الرقمية.

• العمل: الاجتماعات عن بعد، البريد الإلكتروني، التجارة الإلكترونية.

• التواصل الاجتماعي: فيسبوك، واتساب، تيك توك.

• الترفيه: نتفلكس، الألعاب عبر الإنترنت، الموسيقى.

• السياسة والإعلام: الأخبار العاجلة، الحملات الانتخابية، حرية التعبير.

---

الفصل الخامس: من يملك الإنترنت؟

الحقيقة أن الإنترنت لا يملكه أحد. إنه شبكة موزعة تعتمد على ملايين الأجهزة والشركات والمستخدمين. لكن هناك هيئات تنظم عمله مثل:

• ICANN: تدير أسماء النطاقات.

• IETF: تطور بروتوكولات الإنترنت.

---

الفصل السادس: التحديات والمخاطر

مع الفوائد العظيمة تأتي المخاطر:

• الأمن السيبراني: هجمات القرصنة، الفيروسات.

• الخصوصية: جمع البيانات الشخصية من قبل الشركات.

• الأخبار الكاذبة: انتشار الشائعات.

• الاحتكار الرقمي: سيطرة شركات قليلة على جزء كبير من الإنترنت.

---

الفصل السابع: مستقبل الإنترنت

المستقبل يحمل ثورة جديدة:

• إنترنت الأشياء (IoT): كل الأجهزة متصلة بالإنترنت.

• الجيل الخامس والسادس (5G/6G): سرعات هائلة.

• الذكاء الاصطناعي: محتوى مخصص وتفاعلي.

• الميتافيرس: عالم افتراضي مدمج مع حياتنا.

الإنترنت ليس مجرد أداة، بل هو ثورة حضارية غيرت الطريقة التي نعيش بها. بدأ من فكرة بسيطة في مختبر عسكري، وتحول إلى أعظم شبكة عرفها التاريخ البشري. اليوم، الإنترنت هو الدم الذي يجري في عروق العالم الرقمي، ومع كل تقدم تقني، يصبح أكثر أهمية في حياتنا.