الذكاء مميز

العقل الذكي يرى الحل حيث يرى الاخرون المستحيل.

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

اكتب اي تعليق

أخبار الصباح | رئيس الأركان السوري في زيارة رسمية إلى روسيا

 

المقدمة

يمرّ العالم اليوم بمرحلة غير مسبوقة من التوترات الجيوسياسية المتشابكة، حيث تتداخل الملفات الإقليمية والدولية لتشكل لوحة معقدة من الصراعات والتحالفات. من موسكو إلى طهران، ومن الخرطوم إلى الرباط، وصولاً إلى كوبنهاغن، نجد أن قضايا الأمن، الدبلوماسية، والطاقة أصبحت خيوطاً متشابكة في شبكة المصالح الكبرى.

زيارة وفد وزارة الدفاع السورية إلى موسكو، والتجاذبات حول الملف النووي الإيراني، والاضطرابات في السودان والمغرب، وصولاً إلى نقاشات القمة الأوروبية حول مواجهة المسيّرات الروسية، كلها أحداث متفرقة في ظاهرها، لكنها تكشف في العمق عن نظام عالمي يعيد تشكيل نفسه وسط تصاعد التوتر بين الشرق والغرب، وصعود أزمات محلية تُهدد الاستقرار الداخلي لدول عديدة.

في هذا المقال الطويل، سنحاول رسم صورة شاملة للمشهد عبر خمسة محاور رئيسية، مع تحليل للأبعاد السياسية والعسكرية والاقتصادية، وربط الأحداث بسياقاتها الأوسع، ثم استشراف السيناريوهات المحتملة.




أولاً: العلاقات السورية – الروسية بعد سقوط النظام

١. زيارة وفد وزارة الدفاع السورية إلى موسكو

وصل وفد رسمي من وزارة الدفاع السورية برئاسة رئيس هيئة الأركان العامة علي نعسان إلى العاصمة الروسية موسكو، حيث استقبله نائب وزير الدفاع الروسي يونس باك يفيكراف. الهدف المعلن للزيارة هو تطوير آليات التنسيق بين وزارتي الدفاع في البلدين.

هذه الزيارة تأتي في سياق إعادة هيكلة العلاقات بين موسكو ودمشق بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر الماضي، وهو تطور دراماتيكي قلب موازين القوى في المنطقة. فقد وجدت روسيا نفسها أمام سؤال استراتيجي: هل تستمر في الحفاظ على وجود عسكري في سوريا رغم غياب الحليف السابق، أم تعيد صياغة سياستها بما يتناسب مع الواقع الجديد؟

٢. التحركات العسكرية الروسية في الشمال الشرقي

في أغسطس الماضي، انتشرت أنباء عن تعزيز القوات الروسية حضورها في مطار القامشلي شمال شرقي سوريا. وأكدت مصادر محلية أن الروس أجروا تغييرات في هيكلية قواتهم هناك، فيما أشارت تقارير أخرى إلى أنها مجرد تغييرات روتينية.

وفي الخامس من أغسطس، قامت القوات الروسية بتسيير دورية مشتركة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في ريف القامشلي، في خطوة وُصفت بأنها الأولى من نوعها منذ سقوط النظام. هذه الخطوة أثارت تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين موسكو وقسد، خاصة في ظل التنافس الأمريكي – الروسي في تلك المنطقة.

٣. تصريحات الخارجية الروسية

في يوليو الماضي، صرّح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين بأن الاتصالات بين موسكو ودمشق مستمرة بشأن القواعد العسكرية الروسية. هذا يعني أن روسيا رغم تغير المعادلات الداخلية السورية لا تزال متمسكة بالحفاظ على نفوذها العسكري، ربما كأداة مساومة مع الغرب.

٤. تحليل: هل يعيد التاريخ نفسه؟

التدخل الروسي في سوريا عام ٢٠١٥ أنقذ نظام الأسد من الانهيار. لكن سقوط النظام لاحقاً كشف محدودية النفوذ الروسي على المدى الطويل. الزيارة الأخيرة، والتحركات في القامشلي، تشير إلى أن روسيا لن تتخلى بسهولة عن موقعها في شرق المتوسط، حتى وإن تغيرت الخارطة السياسية في دمشق.


ثانياً: الملف النووي الإيراني بين الدبلوماسية والتصعيد

١. تصريحات مؤتمر ميونخ للأمن

خلال مؤتمر ميونخ، شدد رئيس المؤتمر وولفغانغ إيشر على ضرورة عودة طهران إلى طاولة المفاوضات، مؤكداً أن الدبلوماسية هي الباب الوحيد لتجنب صراعات عسكرية قد تمتد إلى الخليج والشرق الأوسط بأكمله.

٢. إخفاق المباحثات السابقة

المحادثات بين إيران والترويكا الأوروبية (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) بشأن الاتفاق النووي لم تحقق نتائج ملموسة، وهو ما أدى إلى تفعيل ما يعرف بآلية "الزناد" وإعادة فرض العقوبات. هذا التطور يعكس عودة الملف إلى نقطة الصفر تقريباً.

٣. بيان مجموعة السبع

في بيانهم الأخير، دعا وزراء خارجية مجموعة السبع إيران إلى:

  • الامتناع عن أي خطوات تصعيدية.

  • الدخول الفوري في محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة.

  • الوفاء الكامل بالتزاماتها في إطار معاهدة حظر الانتشار النووي.

هذه الدعوة تمثل محاولة غربية لإعادة إيران إلى مسار التفاوض، لكنها تكشف في الوقت نفسه حجم القلق من احتمالية اندلاع مواجهة مباشرة إذا فشلت الجهود الدبلوماسية.

٤. قراءة في المشهد

إيران، التي تعاني من عقوبات اقتصادية خانقة، تدرك أن التلويح بالتصعيد النووي يمنحها ورقة ضغط. أما الغرب، فيدرك أن أي مواجهة عسكرية قد تفجر أسعار الطاقة عالمياً. لذلك، تظل الدبلوماسية الخيار الوحيد، رغم صعوبة الطريق إليها.


ثالثاً: السودان بين الحرب الأهلية والدعم المصري

١. زيارة وزير الخارجية المصري إلى بورتسودان

التقى وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي برئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، حيث أكد دعم مصر لوحدة السودان واستقراره، ورفضها للإجراءات الأحادية في ملف نهر النيل.

٢. تصريحات الجانب السوداني

من جانبه، اعتبر وزير الخارجية السوداني محيي الدين سالم أن حل أزمات السودان مرتبط بالدعم المصري، مشيراً إلى أن الحرب "فُرضت من أطراف خارجية" تدعم الانقسام. وأكد على ضرورة العمل المشترك مع مصر وأطراف إقليمية أخرى لتجاوز المحنة.

٣. تحليل: مصر والرهان على استقرار الجار الجنوبي

بالنسبة لمصر، استقرار السودان مسألة أمن قومي. فالسودان يشكل عمقاً استراتيجياً، وأي تفكك داخلي فيه قد ينعكس سلباً على مصر عبر ملف الهجرة غير الشرعية أو الإرهاب أو حتى صراع مياه النيل. لذلك، تصر القاهرة على لعب دور مباشر في الملف السوداني، سواء عبر الوساطة أو الدعم السياسي.


رابعاً: المغرب بين الأمن والاحتجاجات الاجتماعية

١. الهجوم قرب أكادير

أعلنت السلطات المغربية مقتل شخصين بعد محاولة الهجوم على منشأة تابعة لقوات الأمن قرب مدينة أكادير. الحادثة أثارت جدلاً واسعاً، خاصة مع تزامنها مع احتجاجات شبابية مطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية.

٢. رد الحكومة المغربية

الائتلاف الحاكم أصدر بياناً أكد فيه أن الحكومة تستمع إلى المطالب الاجتماعية وتتفهّمها، في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي. هذه المقاربة المزدوجة – الحزم الأمني والاستيعاب السياسي – تعكس حرص الدولة على تجنب انفجار اجتماعي واسع.

٣. قراءة أوسع

المغرب، رغم استقراره النسبي مقارنة بدول عربية أخرى، يواجه تحديات اقتصادية مرتبطة بالبطالة وغلاء المعيشة. ومع تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية، يجد نفسه أمام معادلة صعبة: الحفاظ على الأمن من جهة، وتقديم إصلاحات اجتماعية عميقة من جهة أخرى.


خامساً: أوروبا وجدار المسيّرات ضد روسيا

١. القمة الأوروبية في كوبنهاغن

عقد قادة الاتحاد الأوروبي قمة في الدنمارك لبحث إنشاء "جدار دفاعي" ضد المسيّرات الروسية. رغم الأجواء الإيجابية، ظهر انقسام واضح بين الدول الأعضاء حول التكلفة وأولويات التنفيذ.

٢. مواقف متباينة

  • لاتفيا: رئيسة الوزراء أكدت أن المشروع يمكن تنفيذه خلال عام أو عام ونصف.

  • ألمانيا: وزير الدفاع قال إن المشروع يحتاج إلى ٣ أو ٤ سنوات على الأقل.

  • فنلندا: دعت إلى تسريع الخطوات، معتبرة أن "الوقت حان لإظهار التضامن مع أوروبا الشرقية".

  • إيطاليا: شددت رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني على أن حدود الاتحاد ليست شرقية فقط بل جنوبية أيضاً، في إشارة إلى الهجرة والتهديدات من شمال إفريقيا.

٣. قراءة في الموقف الأوروبي

الانقسام بين دول الاتحاد يعكس اختلاف أولويات الأمن. دول البلطيق ترى في روسيا تهديداً مباشراً ووجودياً، بينما دول جنوب أوروبا تعتبر أن تحدياتها مرتبطة أكثر بالهجرة والأزمات الاقتصادية. ومع ذلك، يبقى الهاجس الروسي هو القاسم المشترك الذي يوحد القارة ولو شكلياً.


من سوريا إلى إيران، ومن السودان إلى المغرب، وصولاً إلى أوروبا، نجد أن الأحداث الأخيرة ليست منفصلة بل مترابطة في شبكة من المصالح والتحالفات.

  • موسكو تحاول الحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط رغم خسائرها.

  • طهران تستخدم الملف النووي كورقة مساومة في ظل العقوبات.

  • الخرطوم تسعى إلى دعم إقليمي لتجاوز الحرب الأهلية.

  • الرباط تواجه تحديات داخلية بين الأمن والمطالب الاجتماعية.

  • أوروبا تبحث عن تماسك استراتيجي لمواجهة روسيا، لكنها منقسمة في الرؤى.

هذا المشهد يعكس أن العالم يدخل مرحلة إعادة اصطفاف كبرى، حيث لم يعد ممكناً فصل الملفات الإقليمية عن بعضها البعض. فالشرق الأوسط، إفريقيا، وأوروبا باتوا مسرحاً واحداً لصراع النفوذ بين القوى الكبرى.




عن الكاتب

مهند

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الذكاء مميز